الشخصية الدرامية في مسرح محمد مسكين
لقد دخل المسرح الحديث ، بعد الثورة الصناعية واكتشاف العلوم الحديثة ، منعطفا جديدا حيث اتجه إلى دراسة واقع الإنسان والكشف عن خفاياه وربط الواقع بقاعدته الاجتماعية ، ويمكن اعتبار أنطوان تشيكوف ( 1860 – 1904 ) احد المجددين في الشخصية الدرامية ، فقد رد هذا الأديب الاعتبار للشخصيات الضعيفة ، حيث جعلها تحتل مكانا بارزا إلى جانب الشخصيات الرئيسية إن لم نقل كانوا في كثير من الأحيان أبطالا للبؤس والحرمان .
وتطور هذا الاتجاه خصوصا على يد الشاعر والمسرحي النرويجي هنريك ابسن ( 1828 – 1906 ) الذي حطم أول عماد التراجيديا اليونانية والكلاسيكية ، ألا وهو البطل ، حيث أصبح المسرح الحديث مسرحا جماعيا لا فرديا ، يوزع فيه العبء الدرامي على اكبر عدد من الشخصيات ، وقد ساعد على ذلك طبيعة المجتمع الصناعي الذي زعزع كثيرا من المعتقدات .
إن البطل التراجيدي بالمفهوم المعاصر ، يسعى إلى تحقيق انتمائه السلبي عبر صراع ملحمي مع قوى الشر بالمفهوم الواقعي لا المفهوم الميتافيزيقي .
الشخصية في مسرح محمد مسكين :
عند استقرائنا لنصوص محمد مسكين نجد انه هو الآخر سار في هذا الاتجاه ، حيث أن جل نصوصه المسرحية تدور حول صراع ملحمي ، والواحد منها ينسج خيوطه حول مجموعة أبطال عوض البطل الواحد (1) واعتناءا من محمد مسكين بالشخصية المسرحية ، إذ يعتبرها هي العمود الفقري للمسرح .. مما يجعله يؤكد على أنها ( العلة الانطولوجية أي الوجودية للكتابة المسرحية ككل ... وإذا كان الوجود يأخذ أبعاده من الشخصية وعبرها ، لهذا فلا مسرح بدون شخصية ، يمكن أن يغيب الحوار ، ويستمر المسرح ، يمكن أن يغيب الحدث ويستمر المسرح ، لكن لا يمكن أن يخلو المسرح من الشخصية )(2) ، لأنها أس الخطاب المسرحي وركيزته ، إذ لا يمكن الحديث عن الحوار المسرحي أو الحدث الدرامي إلا في إطار الحديث عن الشخصية التي يتم نقلها من الواقع إلى المسرح بحيث تصير رمزا ومعنى ، على أساس أنها تتحول تجسيدا للواقع (3) .
وإذا كانت الشخصية ترتبط بالذاكرة الجمعية ، فان محمد مسكين يراها "ذاتا" بصيغة الجمع أو "أنا" بدلالة "النحن" لأن ( الشخصية المسرحية تجد مدلولها في الواقع كما انها تتحول تجسيدا لهذا الواقع نفسه ، انها الواقع والتاريخ مشخصا أو مجسدا ، كما انها الرمز الدال الذي يشير الى ما يعادله الواقع ، ان الكتابة المسرحية تضيف بعدا للشخصية الانسانية من خلال تفجير حدودها الذاتية .. ان الإنسان يشخص دوره بطريقة فردية في الحياة ، انه رمز لذاته لهذا فهو رمز مغلق .. إن الشخصية المسرحية على عكس هذا هي أكثر من ذات (4) ، لأنها ( المحور الدال الذي تتحرك حوله الكناية المسرحية ككل ، بل هي أساس العملية المسرحية بأكملها أنها المحرك للخطاب المسرحي )(5) ، وعلى أساسها تتحرك العناصر الأخرى من حدث وحوار ، والشخصية ترد على أنها أكثر من ذات (6) .
ولقد اهتم محمد مسكين بالشخصية الدرامية إلى حد كبير ، مثل ابرز رموز مرحلة السبعينات التي وعت الشكل المسرحي ومساءلته وقد أدى هذا الوعي إلى إدراك طريقة اشتغال الشخصية المسرحية والى اعتبارها ركيزة البنيان المسرحي مما جعلهم يصفونها كعلامة في منظومة العرض مع مراعاة فعلها التاريخي وعلاقتها الجدلية القائمة بينها وبين الحدث المسرحي (7) ، فمحمد مسكين يحملها عبء الحدث الدرامي وتطوره ، لهذا نرى أن شخصياته إما شخصيات تاريخية : أيوب ، نيرون ، عنترة ، أبو دلامة ، كيلوباترة ... ، أو أسطورية : جحا ، شهرزاد ، شهريار والقط فرفور ... أو شخصيات واقعية تأخذ بعدها من الواقع : عبد الله المكانة ، اليهودي موريس ، عمال الشاربون ، حمان ، السروجي ... شخصيات يعرفها المتفرج ، يحملها المؤلف أبعاد ايديولوجية تخدم النص ، وتسهل على المتفرج عملية الاستيعاب ومن تم التساؤل وما يلاحظ على شخصياته ، هو أنها تنتمي إلى عالم الفقر والنسيان فهي شخصيات ممتلئة بالتساؤل والقلق والإحساس بالغربة والنفي والقهر ... ليسوا مسؤولين عن وضعهم لكنهم مطالبون بتغييره وما يوحد بينها هو نضالها ضد اللم والقهر والغبن والاستبداد والخيانة والتسلط ن نظرا لأن الوجدان الشعبي لا يتعاطف إلا مع الشخصيات التي تعبر على همومه ومطامحه ، ومن هنا نلاحظ أن مسرح محمد مسكين يغيب فيه البطل ليفسح المجال للرمز التاريخي والأسطوري وليحضر الحلم بكل تجلياته .
إن اهتمام محمد مسكين بالشخصية الدرامية أعطى لمسرحه نوعا من التميز والقيمة الدرامية حتى غدي في أواخر الثمانينات من المؤلفين الأكثر تعاملا مع مسرح الهواة ، من خلال حضور نصوصه في كل المهرجانات الوطنية لمسرح الهواة خلال هذه الفترة ، شأنه في ذلك شأن المؤلف عبد الكريم برشيد .
عبد الرحيم محلاوي
الهوامش :
1. فاطمة جلال : البيان الثقافي عدد 164 – 26/27 اكتوبر1986
2. محمد مسكين : مجلة التأسيس عدد 1 ص 56
3. حسن المنيعي : تقديم مسرحية امرأة قميص زغاريد ص 7
4. محمد مسكين : المصدر السابق ص 56
5. محمد مسكين : المصدر السابق ص 56
6. محمد مسكين : المصدر السابق ص 56
7. د.حسن المنيعي : مجلة آفاق عدد 3 خريف 1989 ص 10
وتطور هذا الاتجاه خصوصا على يد الشاعر والمسرحي النرويجي هنريك ابسن ( 1828 – 1906 ) الذي حطم أول عماد التراجيديا اليونانية والكلاسيكية ، ألا وهو البطل ، حيث أصبح المسرح الحديث مسرحا جماعيا لا فرديا ، يوزع فيه العبء الدرامي على اكبر عدد من الشخصيات ، وقد ساعد على ذلك طبيعة المجتمع الصناعي الذي زعزع كثيرا من المعتقدات .
إن البطل التراجيدي بالمفهوم المعاصر ، يسعى إلى تحقيق انتمائه السلبي عبر صراع ملحمي مع قوى الشر بالمفهوم الواقعي لا المفهوم الميتافيزيقي .
الشخصية في مسرح محمد مسكين :
عند استقرائنا لنصوص محمد مسكين نجد انه هو الآخر سار في هذا الاتجاه ، حيث أن جل نصوصه المسرحية تدور حول صراع ملحمي ، والواحد منها ينسج خيوطه حول مجموعة أبطال عوض البطل الواحد (1) واعتناءا من محمد مسكين بالشخصية المسرحية ، إذ يعتبرها هي العمود الفقري للمسرح .. مما يجعله يؤكد على أنها ( العلة الانطولوجية أي الوجودية للكتابة المسرحية ككل ... وإذا كان الوجود يأخذ أبعاده من الشخصية وعبرها ، لهذا فلا مسرح بدون شخصية ، يمكن أن يغيب الحوار ، ويستمر المسرح ، يمكن أن يغيب الحدث ويستمر المسرح ، لكن لا يمكن أن يخلو المسرح من الشخصية )(2) ، لأنها أس الخطاب المسرحي وركيزته ، إذ لا يمكن الحديث عن الحوار المسرحي أو الحدث الدرامي إلا في إطار الحديث عن الشخصية التي يتم نقلها من الواقع إلى المسرح بحيث تصير رمزا ومعنى ، على أساس أنها تتحول تجسيدا للواقع (3) .
وإذا كانت الشخصية ترتبط بالذاكرة الجمعية ، فان محمد مسكين يراها "ذاتا" بصيغة الجمع أو "أنا" بدلالة "النحن" لأن ( الشخصية المسرحية تجد مدلولها في الواقع كما انها تتحول تجسيدا لهذا الواقع نفسه ، انها الواقع والتاريخ مشخصا أو مجسدا ، كما انها الرمز الدال الذي يشير الى ما يعادله الواقع ، ان الكتابة المسرحية تضيف بعدا للشخصية الانسانية من خلال تفجير حدودها الذاتية .. ان الإنسان يشخص دوره بطريقة فردية في الحياة ، انه رمز لذاته لهذا فهو رمز مغلق .. إن الشخصية المسرحية على عكس هذا هي أكثر من ذات (4) ، لأنها ( المحور الدال الذي تتحرك حوله الكناية المسرحية ككل ، بل هي أساس العملية المسرحية بأكملها أنها المحرك للخطاب المسرحي )(5) ، وعلى أساسها تتحرك العناصر الأخرى من حدث وحوار ، والشخصية ترد على أنها أكثر من ذات (6) .
ولقد اهتم محمد مسكين بالشخصية الدرامية إلى حد كبير ، مثل ابرز رموز مرحلة السبعينات التي وعت الشكل المسرحي ومساءلته وقد أدى هذا الوعي إلى إدراك طريقة اشتغال الشخصية المسرحية والى اعتبارها ركيزة البنيان المسرحي مما جعلهم يصفونها كعلامة في منظومة العرض مع مراعاة فعلها التاريخي وعلاقتها الجدلية القائمة بينها وبين الحدث المسرحي (7) ، فمحمد مسكين يحملها عبء الحدث الدرامي وتطوره ، لهذا نرى أن شخصياته إما شخصيات تاريخية : أيوب ، نيرون ، عنترة ، أبو دلامة ، كيلوباترة ... ، أو أسطورية : جحا ، شهرزاد ، شهريار والقط فرفور ... أو شخصيات واقعية تأخذ بعدها من الواقع : عبد الله المكانة ، اليهودي موريس ، عمال الشاربون ، حمان ، السروجي ... شخصيات يعرفها المتفرج ، يحملها المؤلف أبعاد ايديولوجية تخدم النص ، وتسهل على المتفرج عملية الاستيعاب ومن تم التساؤل وما يلاحظ على شخصياته ، هو أنها تنتمي إلى عالم الفقر والنسيان فهي شخصيات ممتلئة بالتساؤل والقلق والإحساس بالغربة والنفي والقهر ... ليسوا مسؤولين عن وضعهم لكنهم مطالبون بتغييره وما يوحد بينها هو نضالها ضد اللم والقهر والغبن والاستبداد والخيانة والتسلط ن نظرا لأن الوجدان الشعبي لا يتعاطف إلا مع الشخصيات التي تعبر على همومه ومطامحه ، ومن هنا نلاحظ أن مسرح محمد مسكين يغيب فيه البطل ليفسح المجال للرمز التاريخي والأسطوري وليحضر الحلم بكل تجلياته .
إن اهتمام محمد مسكين بالشخصية الدرامية أعطى لمسرحه نوعا من التميز والقيمة الدرامية حتى غدي في أواخر الثمانينات من المؤلفين الأكثر تعاملا مع مسرح الهواة ، من خلال حضور نصوصه في كل المهرجانات الوطنية لمسرح الهواة خلال هذه الفترة ، شأنه في ذلك شأن المؤلف عبد الكريم برشيد .
عبد الرحيم محلاوي
الهوامش :
1. فاطمة جلال : البيان الثقافي عدد 164 – 26/27 اكتوبر1986
2. محمد مسكين : مجلة التأسيس عدد 1 ص 56
3. حسن المنيعي : تقديم مسرحية امرأة قميص زغاريد ص 7
4. محمد مسكين : المصدر السابق ص 56
5. محمد مسكين : المصدر السابق ص 56
6. محمد مسكين : المصدر السابق ص 56
7. د.حسن المنيعي : مجلة آفاق عدد 3 خريف 1989 ص 10
تعليقات
إرسال تعليق